فصل: تفسير الآيات (106- 108):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (105):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ومخبرًا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريبًا منه أو بعيدًا.
قال العَوْفي عن ابن عباس عند تفسر هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده، إذا عمل بما أمرته به.
وكذا روى الوالبي عنه.
وهكذا قال مُقَاتِل بن حَيان. فقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} نصب على الإغراء {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
وليس في الآية مسْتَدلٌّ على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كان فعل ذلك ممكنًا، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:
حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زُهَيْر- يعني ابن معاوية- حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا قَيْس قال: قام أبو بكر، رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} إلى آخر الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله، عز وجل، أن يَعُمَّهُمْ بعِقَابه». قال: وسمعت أبا بكر يقول: يا أيها الناس، إياكم والكَذِب، فإن الكذب مجانب الإيمان.
وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة، وابن حِبَّان في صحيحه، وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد، به متصلا مرفوعًا، ومنهم من رواه عنه به موقوفًا على الصديق وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولا في مسند الصديق، رضي الله عنه.
وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطَالَقَاني، وحدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثنا عمرو بن جارية اللخمي، عن أبي أمية الشَّعْباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخُشَنِي فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ فقال: أيَّة آية؟ قلت: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فقال: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شُحّا مُطاعًا، وهَوًى مُتَّبعًا، ودنيا مُؤْثَرة، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن مثل القَبْضِ على الجَمْرِ، للعامل فيهن مثلُ أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم»- قال عبد الله بن المبارك: وزاد غير عتبة: قيل يا رسول الله، أجر خمسين رجلا منهم أو منا؟ قال: «بل أجر خمسين منكم».
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ورواه ابن ماجه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن عتبة بن أبي حكيم.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا مَعْمَر، عن الحسن أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فقال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة. ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا- أو قال: فلا يقبل منكم- فحينئذ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ}
ورواه أبو جعفر الرازي، عن الربيع عن أبي العالية، عن ابن مسعود في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الآية، قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية. قال: فسمعها ابن مسعود فقال: مَهْ، لم يجئ تأويل هذه بعد إن القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار. فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة ولم تلْبَسوا شِيعًا، ولم يَذُق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبسْتُم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه، عند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية. رواه ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن عَرفة، حدثنا شبابة بن سَوّار، حدثنا الربيع بن صُبَيْح، عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه، فإن الله قال: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟ فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا فليبلّغ الشاهد الغائب». فكنا نحن الشهود وأنتم الغُيّب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.
وقال أيضًا: حدثنا محمد بن بَشَّار، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا حدثنا عَوْف، عن سوَّار بن شَبِيب قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جَليد في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نفر ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألو وكلهم بغيض إليه أن يأتي دَناءة، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك. فقال رجل من القوم: وأيّ دناءة تريد أكثرَ من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك؟
فقال الرجل: إني لست إياك أسأل، إنما أسأل الشيخ. فأعاد على عبد الله الحديث، فقال عبد الله: لعلك ترى، لا أبالك، أني سآمرك أن تذهب فتقتلهم! عظْهم وانههم، فإن عصوك فعليك نَفْسك فإن الله، عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية.
وقال أيضًا: حدثني أحمد بن المقدام، حدثنا المعتَمِر بن سليمان، سمعت أبي، حدثنا قتادة، عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قوم من المسلمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} فقال أكْبَرهم لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم.
وقال: حدثنا القاسم، حدثنا الحُسَين، حدثنا ابن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن جُبَير بن نُفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأصغرُ القوم، فتذاكروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟ فأقبلوا عليّ بلسان واحد وقالوا: تنزع آية من القرآن ولا تعرفها، ولا تدري ما تأويلها! حتى تمنّيت أني لم أكن تكلمتُ، وأقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حَدَثُ السن، وإنك نزعت بآية ولا تدري ما هي؟ وعسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شُحًّا مطاعًا، وهَوًى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سَهْل، حدثنا ضَمْرَة بن ربيعة قال: تلا الحسن هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فقال الحسن: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله.
وقال سعيد بن المسيب: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت.
رواه ابن جرير، وكذا روي من طريق سفيان الثوري، عن أبي العُمَيْس، عن أبي البَخْتَري، عن حذيفة مثله، وكذا قال غير واحد من السلف.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن خالد الدمشقي، حدثنا الوليد، حدثنا ابن لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن كعب في قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قال: إذا هدمت كنيسة دمشق، فجعلت مسجدًا، وظهر لبس العَصْب، فحينئذ تأويل هذه الآية.

.تفسير الآيات (106- 108):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}
اشتملت هذه الآية الكريمة على حكم عزيز، قيل: إنه منسوخ رواه العَوْفي من ابن عباس.
وقال حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم: إنها منسوخة.
وقال آخرون- وهم الأكثرون، فيما قاله ابن جرير-: بل هو محكم؛ ومن ادعى النسخ فعليه البيان.
فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ} هذا هو الخبر؛ لقوله: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} فقيل تقديره: شهادة اثنين، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مَقَامه. وقيل: دل الكلام على تقدير أن يشهد اثنان.
وقوله: {ذَوَا عَدْلٍ} وصف الاثنين، بأن يكونا عدلين.
وقوله: {مِنْكُمْ} أي: من المسلمين. قاله الجمهور. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال: من المسلمين. رواه ابن أبي حاتم، ثم قال: رُوي عن عُبيدة، وسعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد، ويحيى بن يَعْمُر، والسُّدِّي، وقتادة، ومُقاتل بن حَيَّان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، نحو ذلك.
قال ابن جرير: وقال آخرون: عني: ذلك {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: من حَي الموصي. وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدّة غيرهما.
وقوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن عَوْن، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا حبيب بن أبي عَمْرَة، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس في قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال: من غير المسلمين، يعني: أهل الكتاب.
ثم قال: وروي عن عبيدة، وشُرَيْح، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النَّخَعِي، وقتادة، وأبي مِجْلزَ، والسُّديِّ، ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، نحو ذلك.
وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله: {مِنْكُمْ} أي: المراد من قبيلة الموصي، يكون المراد هاهنا: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي: من غير قبيلة الموصي.
وقد روى عن ابن أبي حاتم مثله عن الحسن البصري، والزهري، رحمهما الله.
وقوله: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ} أي: سافرتم، {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين، أن يكون ذلك في سفر، وأن يكون في وصية، كما صرح بذلك شريح القاضي.
قال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو معاوية ووَكِيع قالا حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في وصية.
ثم رواه عن أبي كُرَيْب، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السَّبِيعي قال: قال شريح، فذكر مثله.
وقد روي مثله عن الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى. وهذه المسألة من إفراده، وخالفه الثلاثة فقالوا: لا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين. وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضًا.
وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو داود، حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري قال: مضت السنّة أنه لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين.
وقال ابن زيد: نزلت هذه الآية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أول الإسلام، والأرض حرب، والناس كفار، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نُسخت الوصية وفرضت الفرائض، وعمل الناس بها.
رواه ابن جرير، وفي هذا نظر، والله أعلم.
وقال ابن جرير: اختلف في قوله: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} هل المراد به أن يوصي إليهما، أو يشهدهما؟ على قولين:
أحدهما: أن يوصي إليهما، كما قال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط قال: سئل ابن مسعود، رضي الله عنه، عن هذه الآية قال هذا رجل سافر ومعه مال، فأدركه قدره، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته، وأشهد عليهما عدلين من المسلمين.
رواه ابن أبي حاتم وفيه انقطاع.
والقول الثاني: أنهما يكونان شاهدين. وهو ظاهر سياق الآية الكريمة، فإن لم يكن وصي ثالث معهما اجتمع فيهما الوصفان: الوصاية والشهادة، كما في قصة تَمِيم الداري، وعَدِيّ بن بَدَّاء، كما سيأتي ذكرها آنفًا، إن شاء الله وبه التوفيق.
وقد استشكل ابنُ جرير كونهما شاهدين، قال: لأنا لا نعلم حُكْمًا يَحْلِفُ فيه الشاهد. وهذا لا يمنع الحكم الذي تضمنته هذه الآية الكريمة، وهو حكم مستقل بنفسه، لا يلزم أن يكون جاريًا على قياس جميع الأحكام، على أن هذا حكم خاص بشهادة خاصة في محل خاص، وقد اغتفر فيه من الأمور ما لم يغتفر في غيره، فإذا قامت قرائن الريبة حلف هذا الشاهد بمقتضى ما دلت عليه هذه الآية الكريمة.
وقوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} قال العوفي، عن ابن عباس: يعني صلاة العصر.
وكذا قال سعيد بن جبير، وإبراهيم النَّخَعِي، وقتادة، وعِكْرِمة، ومحمد بن سيرين.
وقال الزهري: يعني صلاة المسلمين، وقال السدي، عن ابن عباس: يعني صلاة أهل دينهما.
والمقصود: أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم، {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} أي: فيحلفان بالله {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: إن ظهرت لكم منهما ريبة، أنهما قد خانا أو غلا فيحلفان حينئذ بالله {لا نَشْتَرِي بِهِ} أي: بأيماننا. قاله مُقاتِل بن حيان {ثَمَنًا} أي: لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة، {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أي: ولو كان المشهود عليه قريبًا إلينا لا نحابيه، {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أضافها إلى الله تشريفًا لها، وتعظيمًا لأمرها.
وقرأ بعضهم: {ولا نكتم شهادة آلله} مجرورًا على القسم. رواها ابن جرير، عن عامر الشعبي.
وحَكَي عن بعضهم أنه قرأ: {ولا نَكْتُمُ شهادةً الله}، والقراءة الأولى هي المشهورة.
{إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} أي: إن فعلنا شيئًا من ذلك، من تحريف الشهادة، أو تبديلها، أو تغييرها أو كتمها بالكلية.
ثم قال تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} أي: فإن اشتهر وظهر وتحقق من الشاهدين الوصيين، أنهما خانا أو غَلا شيئًا من المال الموصى به إليهما، وظهر عليهما بذلك {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ} هذه قراءة الجمهور: {اسْتُحِقَّ عليهم الأوليان}.
ورُوي عن علي، وأُبيّ، والحسن البصري أنهم قرؤوها: {اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ}.
وقد روى الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفَرْوِي، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ} ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقرأ بعضهم، ومنهم ابن عباس: {من الذين استحق عليهم الأوَّلِين}. وقرأ الحسن: {من الذين استحق عليهم الأوَّلان}، حكاه ابنُ جرير.
فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى بذلك: أي متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما، فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة وليكونا من أوْلى من يرث ذلك المال {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} أي: لقولنا: إنهما خانا أحقُّ وأصح وأثبت من شهادتهما المتقدمة {وَمَا اعْتَدَيْنَا} أي: فيما قلنا من الخيانة {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: إن كنا قد كذبنا عليهما.
وهذا التحليف للورثة، والرجوع إلى قولهما والحالة هذه، كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لَوْث في جانب القاتل، فيقسم المستحقون على القاتل فيدفع برمته إليهم، كما هو مقرر في باب القسامة من الأحكام.
وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسين بن زياد، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذان- يعني: أبا صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب- عن ابن عباس، عن تميم الداري في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} قال: بَرئ الناس منها غيري وغير عَديّ بن بَدَّاء. وكانا نصرانيين، يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم، يقال له: بُدَيْل بن أبي مريم، بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك، وهو عُظْم تجارته. فمرض فأوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله- قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام، فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بدّاء. فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا. وفقدوا الجام فسألونا عنه، فقلنا: ما ترك غير هذا، وما د فع إلينا غيره- قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، ودفعت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فوثبوا إليه أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} إلى قوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، فنزعتْ الخمسمائة من عَدي بن بَدَّاء.
وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي وابن جرير كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحَرَّاني، عن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، به فذكره- وعنده: فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يُعَظَّم به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} إلى قوله: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر، فحلفا. فَنزعَتْ الخمسمائة من عدي بن بَدَّاء.
ثم قال: هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، ثم قال: ولا نعرف لسالم أبي النضر رواية عن أبي صالح مولى أم هانئ، وقد رُوي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه.
حدثنا سفيان بن وَكِيع، حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جُبَير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداريّ وعديّ بن بَدّاء، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جامًا من فضة مُخَوّصًا بالذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميم وعديّ. فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لِصَاحبهم. وفيهم نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}
وكذا رواه أبو داود، عن الحسن بن علي، عن يحيى بن آدم، به. ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن أبي زائدة.
ومحمد بن أبي القاسم، كوفي، قيل: إنه صالح الحديث، وقد ذكر هذه القصة مرسلة غيرُ واحد من التابعين منهم: عكرمة، ومحمد بن سيرين، وقتادة. وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر، رواه ابن جرير.
وكذا ذكرها مرسلة: مجاهد، والحسن، والضحاك. وهذا يدل على اشتهارها في السلف وصحتها.
ومن الشواهد لصحة هذه القصة أيضا ما رواه أبو جعفر بن جرير:
حدثني يعقوب، حدثنا هُشَيْم، أخبرنا زكريا، عن الشعبي؛ أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدَقُوقا، قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب. قال: فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري- يعني: أبا موسى الأشعري، رضي الله عنه- فأخبراه وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأحلفهما بعد العصر: بالله ما خانا ولا كذبا ولا بَدّلا ولا كتما ولا غيرا، وإنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتهما.
ثم رواه عن عمرو بن علي الفَلاس، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبي؛ أن أبا موسى قضى بدقوقا.
وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي، عن أبي موسى الأشعري.
فقوله: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهر- والله أعلم- أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعديّ بن بَدّاء، قد ذكروا أن إسلام تَمِيم بن أوْسٍ الداري، رضي الله عنه، كان في سنة تسع من الهجرة فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخرًا، يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام، والله أعلم.
وقال أسباط عن السُّدِّي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال: هذا في الوصية عند الموت، يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ما له وما عليه، قال: هذا في الحضر، {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} في السفر، {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} هذا الرجل يدركه الموت في سفره، وليس بحضرته أحد من المسلمين، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما، ويدفع إليهما ميراثه فيقبلان به، فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا مال صاحبهم تركوا الرجلين وإن ارتابوا رفعوهما إلى السلطان. فذلك قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} قال عبد الله بن عباس: كأني أنظر إلى العلْجين حين انتُهى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره، ففتح الصحيفة، فأنكر أهل الميت وخَوّنوهما فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر، فقلت له: إنهما لا يباليان صلاة العصر، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما، فَيُوقَفُ الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، فيحلفان: بالله لا نشتري به ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين: أن صاحبهم لبهذا أوصى، وإن هذه لتركته. فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كتمتما أو خُنْتُما فَضَحْتُكُما في قومكما، ولم تجز لكما شهادة، وعاقبتكما. فإذا قال لهما ذلك، فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها. رواه ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا الحسين، حدثنا هُشيْم، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير، أنهما قالا في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية، قالا إذا حضر الرجل الوفاة في سفر، فليشهد رجلين من المسلمين، فإن لم يجد رجلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب فإذا قدما بتركته، فإن صدقهما الورثة قُبل قولهما، وإن اتهموهما أحلفا بعد صلاة العصر: بالله ما كتمنا ولا كذبنا ولا خُنَّا ولا غَيَّرنا.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية: فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمنًا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: أن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد، فذلك قوله: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: أن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد، فترد شهادة الكافرَيْن، وتجوز شهادة الأولياء.
وهكذا روى العَوْفي، عن ابن عباس. رواهما ابن جرير.
وهكذا قَرَّر هذا الحكم على مقتضى هذه الآية غيرُ واحد من أئمة التابعين والسلف، رضي الله عنهم، وهو مذهب الإمام أحمد، رحمه الله.
وقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} أي: شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرضي من تحليف الشاهدين الذميين وقد استريب بهما، أقرب إلى إقامتهما الشهادة على الوجه المرضي.
وقوله: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي: يكون الحامل لهم على الإتيان بالشهادة على وجهها، هو تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه وإجلاله، والخوف من الفضيحة بين الناس إذا ردت اليمين على الورثة، فيحلفون ويستحقون ما يدعون، ولهذا قال: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}.
ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: في جميع أموركم {وَاسْمَعُوا} أي: وأطيعوا {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} يعني: الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته.